الاثنين، 20 مارس 2017

صلاة الاستخارة

قد يَتحيَّر الإنسان وتتشابه أمامه الخيارت وتتداخل الأفكار، فيُصبح غير قادرٍ على اتّخاذ قرارٍ أو الانحياز لخيارٍ ما، فيحتاج إلى دفعةٍ تُوجّهه للخير، وتُقرّبه من أحد الخيارات، أو تَدفعه إلى الإقدام على الأمر الذي يُحيّره أو الإحجام عنه، هنا يَلجأ المسلم في كثيرٍ من الأحيان إلى صلاة الاستخارة.




 تعريف صلاة الاستخارة الاستخارة لغةً الاستخارة في اللغة من خير، الخاء والياء والراء أصلٌ دالٌّ على العطف والميل، والخير نقيض الشَّر، والخِيرَة الخيار، والاستخارة سؤال أي طلب خير الأمرين، والاستخارة الاستعطاف.

 الاستخارة اصطلاحاً يُمكن تعريف صلاة الاستخارة في الاصطلاح الشرعي بأنَّها: رجاء الإنسان وطلبه من الله تعالى أن يختار له ما فيه خير، بدعاءٍ مخصَّصٍ يدعو به عقب أن يقوم بصلاة ركعتين.
 حُكم صلاة الاستخارة أجمع العلماء على كون صلاة الاستخارة سنَّةً، مُستشهدين على ذلك بما رواه الصَّحابة - رضي الله عنهم- أنَّ رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- كان يُعلّمهم الاستخارة في كلِّ أمورهم، كما روى جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- :
 (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ). تكون الاستخارة في الأمور التي لا يتمكَّن الإنسان من تحديد الصواب فيها أو اتخاذ قرارٍ يحسم فيها ما يحيِّره، أمَّا ما كان معروفاً أنَّه من قبيل الخير كأداء العبادات وفعل القربات أو ما كان معروفاً أنَّه من قبيل الشرّ كفعل المعاصي والمنكرات، فهذا لا يحتاج استخارةً في فعله أو تركه، إلا ما كان في التفصيلات والحيثيات المُتعلّقة بهذه الأمور؛ كمن يستخير بين أداء العمرة هذا العام أو تأجيلها.الحِكمة من صلاة الاستخارة إنَّ الحِكمة من كون صلاة الاستخارة سنةً، وتعليم النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- إيَّاها للصَّحابة -رضي الله عنهم- وحثهم عليها راجعٌ لما في هذه الصَّلاة من معاني التَّسليم لله تعالى وتفويضه في كلِّ أمور الإنسان، وخروج الإنسان من حوله وقوَّته؛ لجوءاً إلى حول الله تعالى، ورجاءً وطمعاً في الخير من عنده، وإظهاراً لافتقار الإنسان الدَّائم إلى الله تعالى وحاجته له في شؤونه كلِّها كبيرها وصغيرها. كيفيَّة أداء صلاة الاستخارة يستحبّ للمسلم الاستشارة في الأمر الذي يشغله من قبل أهل الرأي والخبرة ومن يتوسّم فيهم الخير قبل صلاته للاستخارة، كما في قول الله تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)،وجاءت في كيفيَّة صلاة الاستخارة أحوالٌ متعددة ذكرها الفقهاء في كتبهم، وهي: اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على أنَّ صلاة الاستخارة تكون بأداء ركعتين من غير الفريضة، وأجازوا أداءها في أي وقت غير أوقات الكراهة إلا أنَّ الشافعيَّة أجازوها في أوقات الكراهة إن صلِّيت في الحرم المكيِّ، ثمَّ يدعو بعدها المستخير بالدعاء الذي رواه جابر بن عبد الله عن النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه قال: (إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي قَالَ وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ)، واستحب الحنفيَّة والمالكيَّة والشَّافعيَّة أن يقرأ في صلاة الاستخارة بسورة الكافرون في الركعة الأولى وبسورة الإخلاص في الركعة الثانية، كما يستحب أن يختم بعد دعاء الاستخارة بحمد الله تعالى والصَّلاة على النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام-. 
أجاز الحنفيَّة والمالكيَّة والشَّافعيَّة أن يكتفي المستخير بالدعاء سابق الذكر من دون صلاة، إن تعذَّرت الصلاة ولم يتمكّن المستخير من أدائها، وإن اقتصر المستخير على الدعاء فلا مشكلة في أي وقتٍ من الأوقات كانت؛ لأنَّ الدعاء غير منهيّ عنه في أي وقت.
 أجاز المالكيَّة والشَّافعيَّة قيام المستخير بالدعاء بدعاء الاستخارة عقب أيّ صلاة سواءً نوى الاستخارة أم لم ينوها والأولى أن ينوي. ما يُطلب بعد الاستخارة بعد أن يؤدي المستخير الاستخارة فهو مأمورٌ بتمام التوكل والتَّسليم لله تعالى، واليقين بأنَّه -سبحانه وتعالى- قادرٌ على كلِّ شيءٍ ومُقدِّرٌ للخير حتماً، وعلى المستخير ألا يتعجَّل الإجابة؛ لما في استعجال الإجابة من كراهة، كما روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال: (يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي)،ثمَّ عليه الرضا بما يختاره الله تعالى له ويُقدِّره.
تظهر علامات القبول عقب الاستخارة على شاكلة انسراحٍ للصدر وطمأنينةٍ فيه؛ أي ميل الإنسان للأمر المُستخار بشأنه دون تداخلٍ لهوى النَّفس، ولا يصحُّ ما يتوارد عند النَّاس من أنَّ الاستخارة لا بُدَّ أن تعقبها رؤيا يراها المستخير في منامه، أمّا علامات عدم القبول فتتمثل بانصراف المستخير عن الأمر الذي استخار لأجله، فلا يبقى فِكره منشغلاً به ولا قلبه معلَّقاً به كما في نصِّ دعاء الاستخارة سابق الذكر: (فاصرفه عني واصرفني عنه).